تشتهر الصين بسياستها لتحديد النسل والمعروفة بسياسة الطفل الواحد. وبعد سريان هذه السياسة في أواخر السبعينيات، بدأ النمو السكاني في التباطؤ، وهذا هو الهدف، أي ضمان تفوّق النمو الاقتصادي على النمو الديموغرافي. وكان الانخفاض حاداً بشكل خاص في المواليد من الإناث، إذ تعطي بعض الأسر أولوية للحفاظ على الذكور. وفي عام 2015، بدأت الصين تعيد النظر في هذه السياسة، وتحولت إلى قاعدة الطفلين.
بيد أن الأرقام الأخيرة الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء في الصين، أظهرت أن التغيير لم يؤدِ إلى زيادة في عدد المواليد، والذي بلغ في عام 2019 أدنى مستوياته، منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل سبعة عقود.
والصين ليست وحدها في هذا الاتجاه، فالعديد من البلدان الأخرى، بما فيها كوبا وألمانيا والمجر واليابان، تواجه انخفاضاً في عدد المواليد. ورغم ذلك، فإن كلاً من هذه الدول الخمس تتخذ نهجاً مختلفاً في التعامل مع التحديات التي يطرحها هذا التوجه.
ففي الصين يشهد معدل المواليد تراجعاً منذ سنوات، وفي عام 2019، بلغ 10.48 في الألف، وهو أدنى مستوى يصل إليه منذ عام 1949، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني الصيني. ورغم قلة عدد المواليد الجدد، ارتفع إجمالي عدد السكان في البلاد، بسبب الانخفاض المتزامن في معدلات الوفيات. لكن الحكومة الصينية تشعر بالقلق وتتطلع إلى إبطاء هذا الاتجاه الذي أطلقته عن قصد. والمشكلة، بحسب ما يرى الخبراء، هي أنه لمجرد أن الناس يمكنهم قانوناً إنجاب طفل آخر الآن، فهذا لا يعني أنهم سينجبون.
ورغم أن معدلات المواليد في معظم أميركا اللاتينية آخذ في التراجع، فإن كوبا هي الأبرز في هذا الصدد، حيث يعني انخفاض معدلات المواليد والخصوبة، إلى جانب استمرار الهجرة من البلاد، أن عدد السكان يتقلص منذ فترة طويلة. وفي الوقت نفسه، تضم كوبا أكبر عدد من كبار السن في أميركا اللاتينية، مما يزيد الضغط على مَن هم في سن العمل. وقال «أنطونيو أجا دياز»، من مركز الدراسات الديموغرافية بجامعة هافانا، لصحيفة «ميامي هيرالد»: «الدول المتقدمة لديها معدلات منخفضة بالنسبة لوفيات المواليد والرضع والخصوبة، لكن أعداد السكان بها لا تتراجع، لأنها تستقبل المهاجرين. وهذا عكس الحال في كوبا». ويرجع جزء من المشكلة إلى أن الحكومة الكوبية ظلت لسنوات تدفع معارضيها إلى الهجرة. والآن، لا يبدو أن العوامل الجغرافية تتغير في كوبا.
وقد شهدت ألمانيا والصين تراجعاً في معدل المواليد، مع نمو في السكان، لكن لأسباب مختلفة. في حين أن معدل المواليد في ألمانيا ينخفض بشكل مطرد، فإن الحجم الإجمالي للسكان في البلاد استمر في النمو، بسبب التدفق مؤخراً، لأكثر من مليون مهاجر وطالب لجوء. وهذه التركيبة السكانية الجديدة، كانت أيضاً بمثابة دعم لأكبر اقتصاد في أوروبا: فمن دون هذا الجيل الجديد، كانت ألمانيا ستواجه قوة عاملة متقدمة في السن. وقد بلغ عدد سكان ألمانيا 83.2 مليون نسمة في 2019، رغم أن معدل النمو كان الأدنى منذ 2012. كما قلصت البلاد من انفتاحها لاستقبال مهاجرين جدد، في مؤشر على التغييرات القادمة.
أما في المجر فقررت الحكومة، إزاء انخفاض عدد السكان، أن تكون عيادات الخصوبة هي الحل. ولأن رئيس الوزراء فيكتور أوربان يعارض الهجرة، فهو يلجأ إلى عيادات الخصوبة التي تديرها الحكومة، والتي أنشئت بهدف التصدي لانخفاض عدد المواليد ونقص العمالة في المجر، دون الحاجة إلى السماح بأي قادم جديد، ليس من أصل مجري، بدخول البلاد. وقالت الحكومة إنه على ضوء «أهمية استراتيجية وطنية»، فإنها تسيطر على عيادات التلقيح الاصطناعي وإعفائها من قيود مكافحة المنافسة. واعتباراً من عام 2020، ستقدم الدولة المجرية عقاقير مجانية لعلاج ضعف الخصوبة في هذه العيادات. كما يقدم أوربان مزايا ضريبية وقروضاً للعائلات، في إطار جهوده لزيادة معدلات الإنجاب.
ولم يكن الإنجاب في اليابان خاضعاً لسيطرة الدولة. لكن فيما تواجه الدول المتقدمة اقتصادياً انخفاضات مماثلة، فإن الأرقام في اليابان صارخة: فمن المتوقع أن يتراجع عدد السكان من 127 مليوناً في 2018 إلى 88 مليوناً بحلول عام 2065. وفي كل عام يتم إغلاق 500 مدرسة، إذ لا يوجد عدد كافٍ من الطلاب لملئها. وتحتاج اليابان لمزيد من الأطفال أو لتدفق أشخاص جدد للحفاظ على نمو الاقتصاد.
لكن المناقشات حول معدلات السكان في اليابان ما زالت تتجنب التطرق إلى كلمة مشحونة سياسياً: «الهجرة». ففي عام 2018، طرحت حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي اقتراحاً مثيراً للجدل لجلب مئات الآلاف من العمال الأجانب. وأثار مشروع القانون غضباً بين المشرعين الذين شجبوه، باعتباره باباً خلفياً لتغيير الهوية اليابانية.
ميريام بيرجر* وريك نواك**
*صحفية أميركية
**مدير مكتب «واشنطن بوست» في ألمانيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»